مرحبا بالزوار ..

مرحبا بالزوار في مدونتي الأولى .. يسعدني تشريفكم وإطلالتكم .. (خالد الحربي)














الخميس، 19 أغسطس 2010

اختبر نفسك اختبار "المدح والذم"! ..

انظر إلى أبي حامد الغزالي .. كيف قسم أحوال الناس عند ورود المدح والذم إلى أربعة أحوال .. (باختصار) .. الأهم أن تقرأ تقييم الغزالي لنفسه! ..

1. الحالة الأولى أن يفرح بالمدح ويشكر المادح ويغضب من الذم ويحقد على الذام ويكافئه أو يحب مكافأته وهذا حال أكثر الخلق وهو غاية درجات المعصية في هذا الباب.

2. الحالة الثانية أن يمتعض في الباطن على الذام ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافأته ويفرح باطنه ويرتاح للمادح ولكن يحفظ ظاهره عن إظهار السرور وهذا من النقصان إلا أنه بالإضافة إلى ما قبله كمال .

3. الحالة الثالثة وهي أولى درجات الكمال أن يستوي عنده ذامه ومادحه فلا تغمه المذمة ولا تسره استثقالا.

4. الحالة الرابعة وهي الصدق في العبادة أن يكره المدح ويمقت المادح إذا يعلم أنه فتنة عليه قاصمة للظهر مضرة له في الدين ويحب الذام إذ يعلم أنه مهد إليه عيبه ومرشد له إلى مهمه.

نقلت هذا كي نرى كيف قيّم أبو حامد نفسه:

قال الغزالي: وقد روي في بعض الأخبار ما هو قاصم لظهور أمثالنا إن صح إذ روي أنه صلى الله عليه و سلم قال: "ويل للصائم وويل للقائم وويل لصاحب الصوف إلا من، فقيل: يا رسول الله إلا من؟ فقال: إلا من تنزهت نفسه عن الدنيا، وأبغض المدحة واستحب المذمة" وهذا شديد جدا، وغاية أمثالنا الطمع في الحالة الثانية، وهو أن يضمر الفرح والكراهة على الذام والمادح ولا يظهر ذلك بالقول والعمل، فأما الحالة الثالثة وهي التسوية بين المادح والذام فلسنا نطمع فيها، ثم إن طالبنا أنفسنا بعلامة الحالة الثانية فإنها لا تفي بها لأنه لا بد وأن تتسارع إلى إكرام المادح وقضاء حاجاته وتتثاقل على إكرام الذام والثناء عليه وقضاء حوائجه ولا نقدر على أن نسوي بينهما في الفعل الظاهر كما لا نقدر عليه في سريرة القلب ومن قدر على التسوية بين المادح والذام في ظاهر الفعل فهو جدير بأن يتخذ قدوة في هذا الزمان إن وجد فإنه الكبريت الأحمر يتحدث الناس به ولا يرى فكيف بما بعده من المرتبتين .......... الخ

صراحة كتاب أبي حامد هذا يجعل من يقرأه في دهشة بل في كركرة شديد لما فيه من دقة لتشخيص أحوال النفس البشرية .. مع أنه كتاب في علم الأخلاق! .. وكما قال الطنطاوي مرة .. أن أبرع خمسة كتاب - بتشديد التاء - في تاريخ العربية .. أبو حامد الغزالي في "الإحياء" وأبو حيان التوحيدي .. والجاحظ .. ونسيت الأخيرين ..

د. جابر قميحة يرد على أحمد شوقي .. رمضان ودع وهو في الآماقِ ..

ردا على قصيدة أحمد شوقي الشهيرة:

رمضانُ ولى هاتها يا ساقي **** مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ ..

يقصد (الخمرة) وأنه حبسها عن نفسه في رمضان!! ..

كتب الدكتور جابر قميحة معارضا القصيدة بنفس القافية والروي:

في وداع رمضان لا يا أمير الشعراء

أ.د.جابر قميحة

رمـضـانُ ودَّع وهو فى الآماق **** يـا لـيـته قد دام دون فراقِ

مـا كـان أقـصَـرَه على أُلاَّفِه **** وأحـبَّـه فـى طـاعـةِ الخلاق

زرع الـنـفـوسَ هـدايةً ومحبة **** فـأتـى الـثمارَ أطايبَ الأخلاق

«اقـرأ» به نزلتْ، ففاض سناؤُها **** عـطـرًا على الهضبات والآفاق

ولِـلـيـلةِ القدْر العظيمةِ فضلُها **** عـن ألـفِ شـهر بالهدى الدفَّاق

فـيـهـا الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا **** حـتـى مـطـالعِ فجرِها الألاق

فـى الـعامِ يأتى مرةً .. لكنّه.. **** فـاق الـشهورَ به على الإطلاق

شـهـرُ الـعبادةِ والتلاوةِ والتُّقَى **** شـهـرُ الـزكاةِ، وطيبِ الإنفاق

• • •

لا يـا أمـير الشِّعر ما ولَّى الذى **** آثـاره فـى أعـمـقِ الأعـماق

نـورٌ مـن اللهِ الـكـريمِ وحكمةٌ **** عـلـويـةُ الإيـقـاعِ والإشراق

فـالـنفسُ بالصوم الزكى تطهرتْ **** مـن مـأثـم ومَـجـانةٍ وشقاقِ

لا يـا «أميرَ الشعر» ليس بمسلمٍ **** مَـن صامَ فى رمضانَ صومَ نفاقِ

فـإذا انـتـهـتْ أيامُه بصيامِها **** نـادى وصـفَّق (هاتها يا ساقى)

(الله غـفـار الـذنـوب جميعها **** إنْ كان ثَمّ من الذنوبِ بواقى)

عـجبًا!! أيَضْلَع فى المعاصِى آثمٌ **** لـيـنـالَ مغفرةً.. بلا استحقاقِ؟

أنـسـيـتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه **** حـينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟

وتـرى الـمنافقَ فى ثيابِ مهانةٍ **** ويُـسـاقُ لـلـنيرانِ شرَّ مساقِ

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذى **** رمـضـانُـه فـى زُمْرة الفسَّاق

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذى **** مـنـع الطعام، وهمه فى الساقى

من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها **** وكـأنـه عـبـدٌ بـلا .. إعتاق

الـصـومُ تـربيةٌ تدومُ مع التُّقَى **** لـيـكونَ للأدواءِ أنجعَ راقى

هـو جُـنـةٌ للنفس من شيطانِها **** ومـن الصغائرِ والكبائرِ واقى

الـصومُ - يا شوقى إذا لم تدْرِه– **** نـورٌ وتـقْوى وانبعاثٌ راقى

واسـمع - أيا من أمَّروهُ بشعره – **** لـيـس الأمـيـرُ بمفسدِ الأذواق

إن الإمـارةَ قـدوةٌ وفـضـيـلةٌ **** ونـسـيـجُـها من أكرمِ الأخلاق

والـشعرُ نبضُ القلبِ فى إشراقِهِ **** لا دعـوةٌ لـلـفـسقِ .. والفسَّاق

والـشـعر من روح الحقيقة ناهلٌ **** ومـعـبِّـرٌ عـن طاهرِ الأشواقِ

فـإذا بَـغَـى الباغى بدتْ كلماتُه **** كـالـساعِرِ المتضرِم .. الحرَّاق

وإذا دعـتْـه إلى الجمال بواعثٌ **** أزْرى على زريابَ أو إسحاقِ

لـكـنـه يبقى عفيفًا .. طاهرًا .. **** كـالـشّـهـدِ يحلو عند كلِّ مذاق

• • •

رمضانُ - يا شوقى - ربيعُ قلوبنا **** فـيـها يُشيعُ أطايبَ الأعباق

إن يـمْـضِ عـشنا أوفياءَ لذكِره **** ويـظـلُّ فـيـنا طيّبَ الأعْراق

http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=1798&pubid=5&CatID=231&articleid=186922

جريدة المدينة - ملحق الرسالة 12 شوال 1427

في الديموقراطية ..

تحيا الديموقراطية!! ..
سأتكلم عن شيئين ..
الإعلام والغباء ..
قد يبدو أن لا رابط بينهما ..
ولكن الثاني أرض خصبة للأول ..
كل الجوانب المضيئة في الديموقراطية مأخوذة - أو مسروقة - من تعاليم ديننا الحنيف .. أما جوانبها المظلمة فمستوحاة من الشيطان ..

كل خير ونفع ومصلحة للإنسانية فإن الإسلام يتضمنها ..
وكل شر وضر ومفسدة فالإسلام يدفعها ويحجمها ..

يرقص الأغبياء طربا لأن أمريكا تريد بناء الديموقراطية في العراق وتريد محاكمة الطغاة والجبابرة ..
وما دروا أن كل فضائل الديموقراطية وشروطها .. الحكومة المنتخبة .. المسئولة .. استقلالية القضاء .. الحرية الاقتصادية .. كلها مما دعى لها الإسلام ..
ولكن لأن الإعلام أصبح يتحكم في العالم ويسيره ..
وظنوا أن روسو جان جاك وهيجل ومنظري الثورة الفرنسية بعامة أول من كتب عن هذه الأشياء ..
وهم ما كتبوا الذي كتبوا إلا انتقاما من الكنيسة البابوية المستبدة والمنحرفة ..
ظنوا وحسبوا أن هؤلاء رواد الخير ومؤسسو الحضارة القائمة على العدل والمساواة ..
هذا عن الإعلام ..
أما الغباء ..
فهو لو لم يوجد لما انطلت أكاذيب الغربيين وإعلامهم على فئام من الليبراليين العرب ..
وأصبحت أقصى أماني مفكرينا أن نبتني برلمانا .. له حق التشريع ..
والسؤال ..
لكي نتمكن من مراقبة الحكومة جيدا ونمنع أي طريق للظلم والاستبداد!!
الغاية من الدين عندهم دفع الظلم والاستبداد فحسب ..
وعقولهم وأذهانهم لم تقف إلا على الطريقة الغربية وحدها .. فقاسوا عليها كل شيء ..
كقصة صاحب رأس الديك ..
وقصته فيما ذُكر أن رجلا أكمه - أي ولد أعمى - ..
فرد الله له بصره وأبصر رأس ديك ..
ثم فقد نعمة البصر بعدها مباشرة ..
فلم ير من الدنيا إلا رأس الديك ..
فأصبح كلما نعتوا له شيئا من الأشياء يسأل وكيف هو من رأس الديك؟ ..
قومنا لا يبعدون بحال عن صاحب رأس الديك ..
الفرق أنه لم ير إلا رأس الديك وهم لم يروا إلا الديموقراطية الغربية ..
وضرب الأمثال للتقريب كما هي طريقة القرآن الكريم ..

خمس طرق لقتل الإنسان ..

"خمس طرق لقتل الإنسان" .. قصيدة للشاعر الإنجليزي إيدوين بروك .. تذكرتها اليوم حين كنت في مكان ما .. أنقلها لكم بتصرف يسير في آخر مقاطعها فقط .. وهي قصيدة لذيذة ماتعة ..

وبروك شاعر إنجليزي .. كان ضابطا في البحرية الإنجليزية .. كتب قصيدته الشهيرة :"خمس طرق لقتل الإنسان" بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية ..

قال بروك:

هناك طرق معقدة كثيرة لتقتل إنسانا ..

فيمكنك أن تجعله يحمل لوحا من الخشب

إلى أعلى التل وتصلبه عليه ..

لتفعل هذا جيدا تحتاج إلى حشد من الناس يرتدون الصنادل، وديك يؤذن، وعباءة،

وإسفنجة، وبعض الخل، ورجل ليدق المسامير ..

_______

أو يمكنك أن تأخذ قضيبا من الصلب ..

مشكّل ومحمى بالطريقة التقليدية

وتحاول أن تخترق القفص المعدني الذي يرتديه ..

ولكن لتفعل هذا تحتاج إلى أفراس بيضاء، وأشجار إنجليزية، ورجال يحملون الأقواس والسهام، وعلى الأقل رايتين، وأمير، وقلعة لتحتفل ..

_______

وإذا استغنينا عن النبلاء

يمكنك إذا كانت الرياح جيدة أن تدفع الغاز عليه ..

ولكنك تحتاج ميل من الأرض الموحلة المشققة بالخنادق، بالإضافة إلى الأحذية السوداء، وحفر القنابل، ووحل أكثر، ووباء من الفئران، ودستة أناشيد، وبعض الخوذات المستديرة المصنوعة من الصلب ..

_________

وفي عصر الطائرات ..

يمكنك أن تطير على ارتفاع أميال فوق ضحيتك وتتخلص منه بضغط زرار واحد صغير ..

وكل ما تحتاجه حينذاك هو محيط ليفصل بينكما، ونظامين للحكم، وعلماء أمة، وبعض المصانع، ومريض نفسي، وأرض لا يحتاجها أحد لسنوات ..

_________

كل ما ذكرت أولا طرق معقدة ..

لتقتل إنسانا بطريقة أسهل، وأكثر مباشرة، وأكثر أناقة ..

عليك أن تتأكد أنه داخل وسط سوق الأسهم ..

http://www.poetryconnection.net/poets/Edwin_Brock/2650

القصيدة من ترجمة الدكتور عز الدين محمد نجيب

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

مراسم دفن العقل العربي ..

لدي ملاحظة لا تخص أحدا بعينه بل هي لأرباب العقول الفذة والفهوم الخطيرة .. ولأنصب من نفسي متحدثا عن السطحيين والبسطاء وأصحاب الفكر الأحادي:

كل يوم يسطر في منتديات الفكر تأبين رائع للعقل والفكر البائد ..

لست أدري أية عقل أو أية فكر ينعون! ..

لا أدري لم التباكي والتحسر على العقل المكبل والتفكير الأحادي؟! ..

ومطالبتهم لنا بأن تكون عقولنا نوافذ مشرعة كي تتنسم هواء الحقيقة ..

والدعوة للمطبخ الفكري والحوار مع "الآخر" - أموت وأعرف من هو الآخر هذا -..

بمثل هذه العبارات .. ولأنكم أبلغ وأفصح وتملكون زمام البيان - البيان الجديد - بأيديكم وكأنكم تغرفون من بحر.. ونحن - أو "الآخر" - ألسنتنا عيية وكثيرا ما يرتج علينا .. تدلسون علينا وتخلطون شيئا من الباطل مع أشياء من الحق وتكسونها بالأجراس الموسيقية والمحسنات البديعية ثم نتناظر معكم فنقع ونبهت ولا نستفيق إلا بعد ضحكاتكم المجلجلة ..

يزعم زاعم أن هناك من احتكر الحقيقة واستلبها من الآخر.. وأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة .. كما هم السفسطائيين الأوائل الذين زعموا أن لا حقيقة .. وأن الحقيقة عند كل أحد بحسب ما يراه .. وأنها ليست مقيدة إلا بهوى الإنسان وإشباع نزواته!! ثم انبرى لهم سقراط وصار يناظرهم في أنديتهم ومحالهم فيبدأ معهم بأسئلة تبدو عادية ثم يتسلسل
معهم حتى يوقعهم في تناقض فيضحك عليهم المتجمهرون .. بعدها .. أسس سقراط علم المنطق الذي أفحم وألزم به خصومه من السفسطائيين ..

الحمد لله نحن لا نحتاج سقراط ولا منطقه عندنا قرآن ربنا وسنة رسولنا ناسخة لكل ما قبلها وما بعدها .. يا معشر أرباب الفكر هناك من أعطى العقل أكبر من حجمه .. حتى أكل في عقله مقلب .. قُدس العقل وأُوشك أن يؤله .. كما قرر ذلك كبار الفلاسفة المحسوبون على الإسلام الذين قالوا أن الله هو "العقل الفعال".. لا أمزح .. طالع في كتب العقائد تجد تعريف الفلاسفة لله أنه العقل الفعال ..

العقل تعتوره آفات وملهيات وصوارف: جوع .. خوف .. نعاس .. نسيان .. ذهول .. دهشة .. لا يمكن أبد الآبدين ودهر الداهرين أن يصل العقل بمفرده إلى الحق .. إلى الصواب .. إلى السعادة .. [هناك مناظرة لطيفة بين العقل والنقل في "شرح الطحاوية" حري بقراءتها وتفهمها ولولا التطويل لعرضتها]

كلما نادى أحد بالفضيلة أو إلى تحكيم الشريعة تباكى وتحسر أقوام .. لا أدري بالضبط على ماذا؟!.. يرمون أحدا بأحادية الفكر.. وهم بطريقتهم وهيئتهم قمة في الأحادية - ليس كلهم بل فيهم وفيهم - ..


إذا كانت أكبر العقليات التي مرت على التاريخ كالشافعي مثلا دانت للكتاب والسنة وصح عنه قوله: "إن صح الحديث فهو مذهبي" - أعرف أن البعض يمتعض من هذه الروايات - ..

الغزالي والرازي والخسروشاهي .. ممن درسوا المنطق وحذقوا في المجسطي .. انظر إلى نهاياتهم تر العجب وتزداد إيمانا وتسلم تسليما وتعرف للعقل قدره ..

هذا الكون العظيم الفسيح بكواكبه ومجراته وسماواته وسحبه وجباله أيحيط به فهم أو يدركه عقل؟! .. التطاحن والصراع من عهد آدم إلى يومنا هل نستطيع فك رموزه وتمييز الصائب من الخاطئ والحق من الصواب.. ما لم نحصل على توجيهات وتعاليم سماوية تعرفنا كيف نعيش؟ .. كيف نستنشق الهواء؟! ..

أحمد بن فضلان .. مذكرات أقدم عربي سافر إلى الدانمارك ..

رحلة ابن فضلان .. من أغرب وأمتع وأطرف الرحلات .. تكاد تكون أقدم رحلة قام بها عربي إلى جورجيا وروسيا والبلاد الأسكندنافية ..

سافر أحمد بن فضلان .. مبعوث الخليفة العباسي المقتدر بالله .. إلى بلاد الترك والخزر والصقالبة والروس والدول الإسكندنافية عام 297 هـ .. أي .. قبل أكثر من ألف عام! .. وروى ما حدث له بأسلوب سهل ومشوق ..

قال ابن فضلان في مطلع رسالته: "هذا هو كتاب أحمد بن فضلان بن عباس بن رشيد بن حماد، مولى محمد بن سليمان، مبعوث المقتدر إلى ملك الصقالبة، يروي ما شاهده في أرض الأتراك والخزر والصقالبة والباشغرد والروس وأهل الشمال، وعن قصص ملوكهم وسلوكهم في كثير من شئون حياتهم" ..

وكانت وظيفته كما يقول: "لما وصل كتاب ألمش بن يلطوار، ملك الصقالبة، إلى أمير المؤمنين المقتدر، يسأله فيه البعثة إليه ممن يفقهه في الدين ويعرفه شرائع الإسلام، ويبني له مسجدا، وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته، ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له، فأجيب إلى ما سأل من ذلك" ..

قال: "وكان السفير له في ذلك نذير الحرمي، فندبت أنا لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أهدي إليه، والإشراف على الفقهاء والمعلمين" ..

وكان رفقاؤه في الرحلة: نذير الحرمي وتكين التركي وبارس الصقلابي ..

وقد حقق رسالة ابن فضلان الدكتور سامي الدهان ونشرتها مديرية إحياء التراث والثقافة والإرشاد القومي السورية عام 1977 عن نسخة عثر عليها في مدينة مشهد الإيرانية عام 1924 ..

وقد نقل ياقوت الحموي في "معجم البلدان" أجزاء ومقاطع من رحلة ابن فضلان ..

وكان قد اكتشف جزء من المخطوط في روسيا عام 1817 .. ونشر باللغة الألمانية من قبل أكاديمية سانت بطرسبورغ في عام 1923 ..

والرحلة قد ظهرت باللغة العربية واللاتينية والألمانية والفرنسية والدانماركية والسويدية والإنكليزية ..

ومن جميع هذه النسخ قام الأستاذ النرويجي بير فراوس دولوس بجمع ما تناثر من الرسالة بلغات مختلفة ونقلها إلى اللغة النرويجية .. ثم ترجمها إلى الإنكليزية العالم الأمريكي ميخائيل كريكتون .. ومنها ترجمت مرة ثانية إلى اللغة العربية بتحقيق الدكتور حيدر غيبة ..

وذكر الدكتور محمد الأحمري في كتابه "أيام بين شيكاغو وباريس" أن هوليوود قامت بتمثيل قصة ابن فضلان ومغامراته مع أهل الشمال الأسكندنافيين ضد "وحوش الضباب" أو "أكلة الأموات" ..

وتجد في "الأعلام" للزركلي ترجمة موجزة لابن فضلان ..

ومما يذكره النقاد عن رحلة ابن فضلان أن النص العربي هو المتفق عليه .. أما زيادات كريكتون ففيها خلاف قوي .. ومما يذكره النقاد أيضا أن ابن فضلان كان صريحا .. وأحيانا ساذجا .. إلى حد إيراده ألفاظ نابية .. يتحرج كتاب اليوم من تردادها ..

سأذكر هنا بعض المقتطفات من الرحلة .. ولكن قبل ذلك انظر ما قاله كريكتون عن ابن فضلان ..

قال كريكتون: "لقد كان عرب بغداد مسلمين، وقفوا أنفسهم بشدة لهذا الدين. ولكنهم كانوا منفتحين على شعوب كانت تختلف عنهم في المظهر والمسلك والعقيدة. وفي الواقع، كان العرب في عالم ذلك الزمان أقل الشعوب إقليمية، وهذا ما جعلهم شهودا أفذاذا للثقافات الأجنبية" ..

قال ابن فضلان حين زار الجرجانية (جورجيا اليوم): "فأقمنا بالجرجانية أياما، وجمد نهر جيحون من أوله إلى آخره، وكان سمك الجمد سبعة عشر شبرا، وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل" ..

وقال: "وهم أوحش الناس كلاما وطبعا (أهل الجرجانية)، كلامهم أشبه شيء بصياح الزرازير، وبها قرية على يوم يقال لها أردكو، أهلها يقال لهم الكردلية، كلامهم أشبه شيء بنقيق الضفادع. وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في دبر كل صلاة" ..

وقال: "وتطاول مقامنا بالجرجانية .. وكان طول مقامنا من جهة البرد وشدته .. ولقد كنت أدخل الحمام، فإذا دخلت إلى البيت نظرت إلى لحيتي وهي قطعة واحدة من الثلج، كنت أدنيها من النار" ..

وقال حين مرّ بقبيلة الغزية من الأتراك: "فلما قطعنا الجبل أفضينا إلى قبيلة من الأتراك يعرفون بالغزية، وإذا هم بادية لهم بيوت شعر، يحلون ويرتحلون .. وإذا هم في شقاء، وهم مع ذلك كالحمير الضالة لا يدينون لله بدين، ولا يرجعون إلى عقل، ولا يعبدون شيئا .. وسمعتهم يقولون (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تقربا بهذا القول إلى من يجتاز بهم من المسلمين، لا اعتقادا لذلك. وإذا ظلم أحد منهم أو جرى عليه أمر يكرهه رفع رأسه إلى السماء وقال: "بير تنكري" وهو بالتركية "الله الواحد"" ..

وقال: "والترك كلهم ينتفون لحاهم إلا أسبلتهم. وربما رأيت الشيخ الهرم منهم وقد نتف لحيته وترك شيئا منها تحت ذقنه وعليه البوستين (المعطف)، فإذا رآه إنسان من بعد لا يشك أنه تيس" ..

ثم مرّ على البشناق .. فقال: "ثم صرنا بعد ذلك إلى البجناك، وإذا هم نزول على ماء شبيه بالبحر غير جار، وإذا هم سمر شديدو السمرة، وإذا هم محلقو اللحى، فقراء، خلاف الغزية" ..

ثم لما وصل إلى بلد الصقالبة .. القصد من الرحلة .. وكان ملكهم قد أسلم وهو الذي طلب من الخليفة المقتدر إرسال رسل إليه ليفقههوه ويعلموه شرائع الدين ..

جرت محادثة طويلة بين ملك الصقالبة وابن فضلان .. منها .. قال ملك الصقالبة ألمش بن يلطوار للترجمان: "قل له: تعلم أن الخليفة - أطال الله بقاءه – لو بعث إلي جيشا كان يقدر عليّ؟" قلت: "لا". قال: "فأمير خراسان؟" قلت: "لا". قال:" أليس لبعد المسافة وكثرة من بيننا من قبائل الكفار؟" قلت:"بلى". قال: "قل له فوالله إني لبمكاني البعيد الذي تراني فيه، وإني لخائف من مولاي أمير المؤمنين، وذلك أني أخاف أن يبلغه عني شيء يكرهه فيدعو علي فأهلك بمكاني وهو في مملكته" ..

ثم قال عن الصقالبة: "وينزل الرجال والنساء إلى النهر فيغتسلون عراة لا يستتر بعضهم من بعض، ولا يزنون بوجه ولا سبب .. وما زلت أجتهد أن يستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك، ويقتلون السارق كما يقتلون الزاني" ..

وقال: "وقد أسلم على يدي رجل يقال له طالوت فأسميته عبد الله فقال: "أريد أن تسميني باسمك محمدا" ففعلت. وأسلمت امرأته وأمه وأولاده، فسموا كلهم محمدا، وعلمته (الحمد لله) و (قل هو الله أحد) فكان فرحه بهاتين السورتين أكثر من فرحه إن صار ملك الصقالبة" ..

ثم زار الروسية (روسيا اليوم) ..

قال: "ورأيت الروسية، وقد وافوا في تجارتهم، ونزلوا على نهر إتل، فلم أر أتم أبدانا منهم كأنهم النخل، شقر حمر. لا يلبسون القراطق ولا الخفاتين، ولكن يلبس الرجل منهم كساء يشتمل به على أحد شقيه .. ومع كل واحد منهم فأس وسيف وسكين لا يفارقه جميع ما ذكرنا" .. نهر إتل: هو نهر الفولغا اليوم ..

قال ابن فضلان عن الروس: "وهم أقذر خلق الله، لا يستنجون من غائط ولا بول. ولا يغتسلون من جنابة، ولا يغسلون أيديهم من الطعام، بل هم كالحمير الضالة، يجيئون من بلدهم فيرسون سفنهم بإتل، وهو نهر كبير. ويبنون على شطه بيوتا كبارا من الخشب. ويجتمع في البيت الواحد العشرة والعشرون والأقل والأكثر، ولكل واحد سرير يجلس عليه، ومعهم الجواري الروقة (الجميلات) للتجار، فينكح الواحد جاريته ورفيقه ينظر إليه ... ولا بد لهم في كل يوم من غسل وجوههم ورؤوسهم بأقذر ماء يكون وأطفسه (أنجسه). وذلك أن الجارية توافي كل يوم بالغداة، ومعها قصعة كبيرة فيها ماء، فتدفعه إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه وشعر رأسه، فيغسله ويسرحه بالمشط في القصعة ثم يمتخط ويبصق فيها، ولا يدع شيئا من القذر إلا فعله في ذلك الماء. فإذا فرغ مما يحتاج إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي جانبه ففعل مثل فعل صاحبه .." ..

بعد ذلك تبدأ رواية كريكتون .. وهي انتقال ابن فضلان مع أحد القادة الروس لخوض حرب في بلد أهل الشمال (الدول الأسكندنافية) .. وقد مرّ في رحلته على السويد والدانمارك .. وكانت الحرب ضد "وحوش الضباب" أو "أكلة الأموات" .. وهم كالبشر .. رائحتهم كريهة .. يشبهون الخنازير .. ولا يهجمون إلا عند حلول الظلام ..

قال ابن فضلان: "أبحرنا لمدة يومين بمحاذاة شاطئ مسطح، تحيط به جزر كثيرة، تدعى أرض الدانس" قال الدكتور غيبة: الدانس، هي الكلمة التي استعملها ابن فضلان للتعبير عن كلمة Danes الإنكليزية أي الدانماركيين.

ثم قال عن الدانماركيين: "كانوا يغتسلون في النهر، ويتخلصون من نفاياتهم خارج الأبواب .. ومع ذلك، لم يكونوا حقا نظيفين، إلا بالمقارنة" يقصد مقارنة بقذارة الروس ..

ثم مرّ بمنطقة تريلبورغ .. قال الدكتور غيبة: وتقع تريلبورغ غرب جزيرة زيلاند التي تقع كوبنهاجن عاصمة الدانمارك في أقصى شرقها ..

ثم قال عن الدانماركيين أو الدانس: "ويتألف مجتمع تريلبورغ غالبا من الرجال، وجميع النساء من الجواري، ولا توجد زوجات بين النساء. وينال الرجال من يشاؤون من النساء بحرية وكيفما يشاؤون" ..

قلت: تأمل في تخلف الروس والدانماركيين وقتذاك!! ..

فاكس عاجل من (ابن عبد ربه) إلى كتاب (المنتديات) ..

لا شك أن دنيا الإنترنت .. وثورة الميديا .. أفرزتا لنا أشياء كثيرة جعلتنا نتصل ببعض في مشارق الأرض ومغاربها .. وحققت فعليا مقولة (العالم قرية واحدة) ..

من حسنات هذه الإنترنت .. المنتديات .. تلقفها العرب مباشرة .. وطاروا بها وتطوروا فيها في وقت قصير .. واشتهرت بعض هذه المنتديات .. كمنتدى الساحات مثلا .. وهو الأول عربيا .. ووصل عدد الكتاب فيه إلى ثمانين ألف كاتب ثم توقف التسجيل .. إلا بالواسطة .. وغيره الكثير من المنتديات .. لكل منتدى نكهته وطابعه خاص .. وله رواده وزبائنه .. ولو كان هناك أحيانا تقارب في الأهداف والطرح والإشراف ..

هناك كتاب ممتازون مروا على المنتديات .. منهم من ارتحل عنها وانخرط في دوامة الحياة .. ومنهم من بقي يقاتل .. ومنهم من لحق بها بعدُ .. وهكذا ..

التطلع إلى الكمال صفة حميدة .. وادعاء الكمال خلة ذميمة .. ولتحقيق الأول خصوصا في مجال الكتابة .. وجدتُ أن حركة الكتابة وتباري الكتاب موجود من قديم .. قد أطال في بيانه وتبويبه وتفريعه ابن عبد ربه الأندلسي في "العقد الفريد" .. ولو كانت أيامهم الإنترنت ومقاهي الإنترنت مفتوحة .. لما لقينا من يسمح لنا أن نزاحمهم أو أن نخط سوداء في بيضاء معهم .. ولكن .. خلا لك الجو فبيضي واصفري .. ونقري مـا شئت أن تنقري ..

قبل أن نجتهد في رسم ملامح الكاتب أرى أنه يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون .. فلنسمع ونع ما كتبوه عن صفة الكاتب وأبواب أخرى متعلقة بفن الكتابة .. كلها مأخوذة من "العقد الفريد" نقلا عن موقع "الوراق" ..

فدونكم هذه المقتطفات:

[صفة الكتّاب]

قال إبراهيم بن محمد الشيباني: من صفة الكاتب اعتدال القامة، وصغر الهامة، وخفة اللهازم، وكثافة اللحية، وصدق الحس، ولطف المذهب، وحلاوة الشمائل، وحسن الإشارة، وملاحة الزي، حتى قال بعض المهالبة لولده: تزيوا بزي الكتاب، فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السوقة.

وقال إبراهيم بن محمد الكاتب: من كمال آل الكتابة أن يكون الكاتب: نقي الملبس، نظيف المجلس، ظاهر المروءة، عطر الرائحة، دقيق الذهن، صادق الحس، حسن البيان، رقيق حواشي اللسان، حلو الإشارة، مليح الاستعارة، لطيف المسالك، ومستقر التركيب؛ ولا يكون مع ذلك فضفاض الجثة، متفاوت الأجزاء، طويل اللحية، عظيم الهامة؛ فإنهم زعموا أن هذه الصورة لا يليق بصاحبها الذكاء والفطنة.

قال الشاعر:
عليك بكاتب لبـق رشـيقِ **** زكي في شمائله حـرارة
تناجيه بطرفك من بـعـيدٍ **** فيفهم رجع لحظك بالإشارة

ونظر أحمد بن الخصيب إلى رجل من الكتاب؛ فدم المنظر، مضطرب الخَلق، طويل العثنون، فقال: لأن يكون هذا فنطاس مركب أشبه من أن يكون كاتبا.

فإذا اجتمعت للكاتب هذه الخلال، وانتظمت فيه هذه الخصال، فهو الكاتب البليغ، والأديب النحرير، وإن قصرت به آلة من هذه الآلات، وقعدت به أداة كل هذه الأدوات، فهو منقوص الجمال، منكسف الحس، منحوس النصيب.

[ما ينبغي للكاتب أن يأخذ به نفسه]
قال إبراهيم الشيباني: أول ذلك حسن الخط الذي هو لسان اليد - قلت: كفتناه الكيبورد -، وبهجة الضمير، وسفير العقول، ووحي الفكرة، وسلاح المعرفة، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومحادثتهم على بعد المسافة، ومستودع السر، وديوان الأمور.

ولست أجد لحسن الخط حدا أقف عليه أكثر من قول علي بن ربن، النصراني الكاتب، فإني سألته واستوصفته الخط، فقال: أعلمك الخط في كلمة واحدة، فقلت له: تفضل بذلك فقال: لا تكتب حرفا حتى تستفرغ مجهودك في كتابة الحرف، وتجعل في نفسك إنك تكتب غيره حتى تعجز عنه، ثم تنتقل، إلى ما بعده ... ولا يكون الكاتب كاتبا حتى لا يستطيع أحد تأخير أول كتابه وتقديم آخره.

وأفضل الكتاب ما كان في أول كتابته دليل على حاجته، كما أن أفضل الأبيات ما دل أول البيت على قافيته.

فلا تطيلن صدر كتابك إطالة تخرجه عن حده، ولا تقصر به دون حده، فإنهم قد كرهوا في الجملة أن تزيد صدور كتب الملوك على سطرين أو ثلاثة أو ما قارب ذلك.

وقيل للشعبي: أي شيء تعرف به عقل الرجل؟ قال: إذا كتب فأجاد. وقال الحسن بن وهب: الكاتب نفس واحدة تجزأت في أبدان متفرقة.

فأما الكاتب المستحق اسم الكتابة، والبليغ المحكوم له بالبلاغة، من إذا حاول صيغة كتاب سالت عن قلمه عيون الكلام من ينابيعها، وظهرت من معادنها، وبدرت من مواطنها، من غير استكراه ولا اغتصاب.

بلغني أن صديقا لكلثوم العتابي أتاه يوما فقال له: اصنع لي رسالة، فاستعد مدة ثم علق القلم، فقال له صاحبه: ما أرى بلاغتك إلا شاردة عنك. فقال له العتابي: إني لما تناولت القلم تداعت علي المعاني من كل جهة، فأحببت أن أترك كل معنى حتى يرجع إلى موضعه ثم أجتني لك أحسنها ... فإن كان لا بد لك من طلب أدوات الكتابة فتصفح من رسائل المتقدمين ما يعتمد عليه، ومن رسائل المتأخرين ما يرجع إليه، ومن نوادر الكلام ما تستعين به، ومن الأشعار والأخبار والسير والأسمار ما يتسع به منطقك، ويطول به قلمك، وانظر في كتب المقامات والخطب، ومجاوبة العرب، ومعاني العجم، وحدود المنطق، وأمثال الفرس ورسائلهم وعهودهم وسيرهم ووقائعهم ومكايدهم في حروبهم، والوثائق والصور وكتب السجلات والأمانات، وقرض الشعر الجيد، وعلم العروض، بعد أن تكون متوسطا في علم النحو والغريب، لتكون ماهرا تنتزع آي القرآن في مواضعها، والأمثال في أماكنها، فإن تضمين المثل السائر، والبيت الغابر البارع، مما يزين كتابك، ما لم تخاطب خليفة أو ملكا جليل القدر، فإن اجتلاب الشعر في كتب الخلفاء عيب، إلا أن يكون الكاتب هو القارض للشعر والصانع له، فإن ذلك يزيد في أبهته.

[فضائل الكتابة]
قال أبو عثمان الجاحظ: ما رأيت قوما أنفذ طريقة في الأدب من هؤلاء الكتاب، فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرا وحشيا، ولا ساقطا سوقيا. وقال بعض المهالبة لبنيه: تزيوا بزي الكتاب فإنهم جمعوا أدب الملوك وتواضع السوقة. وعتب أبو جعفر المنصور على قوم من الكتاب فأمر بحبسهم، فرفعوا إليه رقعة ليس فيها إلا هذا البيت:
ونحن الكاتبون وقد أسأنا **** فهبنا للكرام الكاتبينـا
فعفا عنهم وأمر بتخلية سبيلهم.

وقال المؤيد: كتاب الملوك عيونهم الناظرة، وآذانهم الواعية، وألسنتهم الناطقة. والكتابة أشرف مراتب الدنيا بعد الخلافة، وهي صناعة جليلة تحتاج إلى آلات كثيرة.

وقال سهل بن هارون: الكتابة، أول زينة الدنيا التي إليها يتناهى الفضل، وعندها تقف الرغبة.


[ما يجوز في الكتابة وما لا يجوز فيها]
قال إبراهيم بن محمد الشيباني: إذا احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والخطباء والأدباء والشعراء وأوساط الناس وسوقتهم، فخاطب كلا على قدر أبهته وجلالته، وعلوه وارتفاعه، وفطنته وانتباهه. واجعل طبقات الكلام على ثمانية أقسام؛ منها: الطبقات العلية أربع، والطبقات الآخر، وهي دونها، أربع؛ لكل طبقة منها درجة، ولكل قسمها، لا ينبغي للكاتب البليغ أن يقصر بأهلها عنها ويقلب معناها إلى غيرها ... ا.هــ.