مرحبا بالزوار ..

مرحبا بالزوار في مدونتي الأولى .. يسعدني تشريفكم وإطلالتكم .. (خالد الحربي)














الأربعاء، 11 أغسطس 2010

التطور الاستراتيجي لدى الحجات في رحلات جمع علب البيبسي ..

انتشرت في جدة من خمس سنوات تقريبا جماعات من الحجات الأفريقيات يجبن الشوارع والطرقات .. يمتهنّ لقط علب البيبسي الفارغة .. لا همّ لهن إلا ذلك ..

يخرجن من أكنانهن مع طلوع الفجر الصادق .. متلفعاتٍ بمروطهن .. لا يُعرفن من الغلس .. يمشين في مناكب الأرض جذلاتٍ ممتلئات بالحيوية والتفاؤل والجمال .. جمال الروح وطهر النفس .. والصفاء والنقاء ..


قال عمرو بن كلثوم واصفا نساء بني تغلب:
ظعائنَ من بني جُشَم بن بكرٍ **** خلطنَ بميسمٍ حسبا ودينا ..
هؤلاء الحجات أجدر أن يقال لهن:
ظعائن من بني (شادٍ ونيجر) **** خلطن بميسمٍ حسبا ودينا ..

كلما غدوتُ بسيارتي بكرةً أو رحتُ بها عشية تأملتُ في همة تلكم النسوة لعلي أفهمُ معنىً جديدا للحياة .. أو أدركُ ما لم أدرك كنهه بعدُ من أسرار الحياة ..

سعيهن وتشميرهن يمثّل "المعنى الإجمالي" لما درسناه ولم نعه من الألفاظ النبيلة المبثوثة في كتب الأخلاق والتهذيب والسلوك ..

أول ما ابتدأن كنا يبكّرنَ بكراتين فارغة ويرحنَ بها حفّل بالعلب .. كالطير تغدو خماصا وتروح بطانا .. أقمن على ذلك برهة من الدهر ثم بدا لهن أن يستبدلن الكراتين بأخياش بلاستيكية .. أخف محملا وأكثر استيعابا .. ويمكن التزود منهاب باثنين أو ثلاثة للاحتياط .. تُربط في الظهر أو حول الخصر وتستخدم حال انشقاق الخيشة الأولى أو امتلائها .. أو ربما لإسعاف إحدى رفيقات الدرب ..!

بعد ذلك .. تفتقت أذهان أذكياء الحجات عن فكرة عجيبة .. تنجـز المهمة وتخفف العبء .. وذلك باتخاذ عربات كعربات الأطفال أو التي يدفعها أبناء الأغنياء أمامهم في سوبر ماركت الدانوب أو الصواري طلبا لمتعة وسهولة التسوق! .. فسَرَت الفكرة في سائرهن .. وانتشرت العربات في الأزقة والحواري والطرقات والكباري .. مع تمسك بعض نساء الجيل الأول بالأخياش والخرايط ..

وحينما نقلت "أمانة مدينة جدة" النظافة لشركة دلة .. وضعت الأخيرة حاويات كبيرة جدا .. يعز معها جمع العلب التي في باطنها .. خصوصا إن كانت مندسة في القاع أو عالقة بمتاع .. فابتغين أعواد حديدية أشبه العصا .. معقوفة الرأس .. يمكنها انتشال العلبة من فيها .. ويبدو أنهن صنعنها من علّاقات الملابس لمرونتها وتوفرها ..

ولهن أيضا في العصا منافع أخرى .. من ذلك أن تلك السيدات شعرن أن كثرة الانحناء والانثناء لجمع العلب الملقاة على الأرض يرهق الجسم خصوصا العمود الفقري .. ولكن تلك العصا السحرية تمكنهنّ من التقاط العلب وهن سائرات ..

مع ازدياد التجارب والجولات اليومية .. عملن دراسة لتطوير العمل فقمن بجمع البيانات ورصدها في جداول وتمثيلها بالرسم البياني .. وبعد قراءة المنحنيات استنتجن أن ساعات الذروة لامتلاء الحاويات والطرقات بعلب البيبسي تتراوح من السابعة مساءا حتى الثانية صباحا .. ومن العاشرة صباحا حتى الثالثة ظهرا .. إلا أن الفترة الثانية أقل ..

فانقسمن إلى جماعتين أو نوبتين .. للعمل في ساعات الذروة فقط وذلك لتحصيل أكثر كمية في أقل جهد ..
لا شك أن المستفيد الأول من تجميع العلب مصانع الألمنيوم بالمنطقة الصناعية لتدوير انتاج عبوات البيبسي وبالتالي بيعها لشركات إنتاج المشروبات الغازية .. ذلك أنه لصعوبة وقلة جدوى استخراج خام الألمنيوم من موارده الطبيعية وجدت الشركات في تلك العلب توفيرا وربحا لم تحلم به! ..

على أن بعض كتبة الأعمدة في الجرائد اليومية – لا أود تسميته – كتب متجلببا بالوطنية ينقد ظاهرة الحجات ويزعم الشرير أن هذا منظر غير حضاري ومضر بسمعة البلد ..

وأقول له: هيّ جات على هذي يا بو الشباب .. قيدها يا دوبك الكفاف! .. ما وجدتَ إلا من يقتات بأوساخ الناس لتحرمه قوته .. !!

هن بحق نساء فاضلات عظيمات ومستحقات جائزة نوبل لجمع العلب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق