مرحبا بالزوار ..

مرحبا بالزوار في مدونتي الأولى .. يسعدني تشريفكم وإطلالتكم .. (خالد الحربي)














الاثنين، 9 أغسطس 2010

إمام يأكل رأس أحد المأمومين!! ..

ومما حدثنا أبو صالح .. وهو رجلٌ اكتسى بالظرافة من مفرق رأسه حتى أخمص قدميه .. رشيق الروح .. حاضر النكتة .. إن تكلم فلا تملّ حديثه .. وإن روى فلا تسأم نوادره .. ما جالسه أحد إلا شهق من الضحك ومات من الكركرة .. وفوق ذلك .. أوتي ثقافة وأدبا ودراية بأحوال النفس ودواخلها .. كأنما هو منحة الربّ لذويه وخلانه .. يبدد أتراحهم .. وينعش أرواحهم ..

قال أبو صالح: لي صديقٌ .. من أبناء الطبقة المسحوقة .. مستور الحال .. وبائس الحال أيضا .. ممن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء .. وممن يجهلهم أهل الأرض ويعرفهم أهل السماء .. ممن يكدح لنيل القوت .. ويكافح كي لا يموت .. ممن أمضّهم الفقر الهالك .. وعضّهم الجوع الكافر ..

لم يكرمه أحد .. ولم يعبأ به إنسان .. فما عادت تهمه المنزلة والرفعة في الناس .. ما عاد يهمه إلا الخبز والملح .. الاجتماع أو المحفل الوحيد الذي يُدعى إليه ويشارك فيه هو صلاة الجماعة .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..

كان يحافظ على صلاة الجماعة حاضرة في المسجد .. وفي رمضان تلقاه من السابقين الأولين إلى الصف الأول في الفرائض والنوافل .. لا يبتغي إلا الله ولا يرغب إلا رضاه .. لم يعطه أحد من أهل الدنيا مالا ولا جاها ولا وجها .. فقرر أن ييمّم وجهه شطر من يجبر القلوب .. ويزيل الهموم .. من لا تسعد النفوس إلا بمناجاته .. ولا تشقى القلوب إلا بمجافاته .. من يده ملأى لا تغيضها نفقة .. سحاء الليل والنهار .. لو أعطى كل إنسانٍ مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ..

قال المسكين: في العشر الأخيرة من رمضان .. وبعد إحدى النوافل .. كنتُ في الصف على مقربة من الإمام .. فجاء أحد الموسرين ممن فتح الله عليه .. وممن يراعي حق الله في المال .. فجلس إلى الإمام وشرع يكلمه ..

قال المسكين: وكان حديثهما يقع في مسمعي دون تعنّ مني أو استيفاز .. فسمعت الموسر يذكر أنه يريد إخراج زكاة ماله .. وذكر مبلغا كبيرا من المال وناوله الإمام .. سائلا إياه أن يتولى تفريقه في المساكين ..

لما سمع المسكين ذلك .. تهلل وجه .. وانفرجت أساريره .. وكاد يغشى عليه .. ولا لوم عليه ولا تثريب .. وهو من أهلها بنصّ القرآن .. وقد دنت منه .. وإذا هبت رياحك فاغتنمها ..

قال المسكين: فما برحتُ المسجدَ في نافلة ولا فريضة ولا تراويح ولا قيام .. منتظرا نصيبي من تلك الزكاة .. وما كبّر الإمام إلا وأنا خلفه .. ممنيا نفسي العطاء الوفير بعد الصلاة .. لكني وجدت الإمام يتأخر في قسمة المال .. ما ينفتل من صلاته إلا ويمضي إلى داره من حينه .. دون أي تصريح أو تعريض بذكر المال .. حتى كان يوم الثلاثين فقلت اليوم سأظفر برزقي لا محالة .. فإن الشهر قد انتهى .. وغدا هو العيد .. فلزمتُ المسجد ذلك اليوم .. وما تركت نافلة ولا فريضة إلا وأنا خلف الإمام .. لعله ينمي خيرا أو يصنع معروفا ..

لم أقدّر أن هناك جشعين في صورة أئمة .. وأن شهوة المال تصيب حتى الأئمة .. لم أقدّر ذلك ولم أتهيأ له .. كيف وفي الحديث: من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة فلم يلج الجنة .. لكن .. ربما أن ضعة الحال أعاقتني عن دقة التفكير .. ورحم الله شوقي حيث يقول:

إياك أن تغترّ بالزهادِ **** كم تحت ثوب الزهد من صيادِ ..

قال المسكين: فاستغربتُ أن غربت شمس يوم الثلاثين .. ودقت أفراح العيد .. وابتهج القريب والبعيد .. وارتفع التهليل والتكبير .. وانطلقت التبريكات والتهاني .. وصاحبنا جاثمٌ على حاله .. كلما سلّم سبح قليلا وانطلق إلى داره ..

قال المسكين: فتركته حتى مضى يومٌ ويومان .. ثم لم أصبر .. فقصدتُ داره وكانت سكنا في حرم المسجد .. طرقت الباب ففتح لي .. وبعد السلام والتحية .. قلت له في ليلة كذا وكذا من رمضان جاءك فلانٌ التاجر وأعطاك كذا وكذا من المال .. وائتمنك على تفريقه في ذوي الحاجة .. وأنا والله منهم .. فأبغني نصيبي ..

قال المسكين: فحدج الإمامُ فيّ بصره .. ثم قال: أقول لك .. ذاك المال سأبني به ملحقا في أعلى الدار .. والله لو جئتني ثانية لأكلتُ رأسك .. وتقدم قليلا وعضّ الهواء الذي أمامه .. وهرب المسكين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق